في عالم كرة القدم، من الطبيعي أن يرتبط الجمهور بلاعبٍ موهوب، وأن يتحول التألق السابق إلى رصيد عاطفي لا يُقدَّر بثمن. لكن حين تمتزج الكرة بالعاطفة الزائدة، ويُحمَّل لاعبٌ ما أكثر مما يحتمل، تتداخل الحقيقة بالوهم، ويُصبح النقاش عاطفيًا أكثر مما هو رياضي.
هذا تمامًا ما يحدث مع حكيم زياش، اللاعب الذي تحوّل – في نظر فئة من الجماهير – من نجم فوق العادة إلى رمز نضالي ضد قرارات المسؤولين، بل وأحيانًا ضد توجهات الدولة وخياراتها السياسية، حتى ولو لم يُعلن اللاعب نفسه أي موقف واضح بهذا الشأن.
لكن إذا أردنا مناقشة الأمور بموضوعية بحتة، بعيدًا عن الخلفيات، فالسؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح اليوم ليس: لماذا لا يُستدعى زياش؟ بل:
هل ما يقدمه زياش حاليًا يبرر استدعاءه؟
اللاعب الذي تألق سابقًا مع أياكس، والذي كان عنصرًا أساسيًا في ملحمة المغرب بكأس العالم قطر 2022، يعاني اليوم من تراجع واضح في التنافسية والجاهزية البدنية، وهو أمر لا يمكن تجاوزه في حسابات مدرب يضع الأداء الجماعي فوق كل اعتبار.
كرة القدم الحديثة لا تعترف بـ”الجميل” ولا بـ”العرفان”، بل تُقاس فقط بمستوى الجاهزية، بالسرعة، بالقدرة على تحمل الضغط والتضحية، وبما يستطيع اللاعب تقديمه اليوم، لا بما قدمه قبل عامين أو ثلاثة.
وإذا كانت الساحة الكروية الوطنية تشهد اليوم وفرة استثنائية في اللاعبين المتألقين في أوروبا، ممن يملكون المهارة والحيوية والجاهزية البدنية، فإن السؤال الأخلاقي لا يجب أن يتغلب على المنطق الكروي. فكما لا يُمكن استدعاء لاعب فقط لأنه “ضحى” سابقًا، لا يمكن أيضًا تجاهل أولئك الذين “يقاتلون” الآن من أجل القميص في أنديتهم أسبوعًا بعد آخر.
من حق الجمهور أن يحنّ إلى لحظات زياش الجميلة، ومن حق زياش نفسه أن يأمل في العودة إلى أفضل مستوياته. لكن من واجب الطاقم التقني، بقيادة وليد الركراكي، أن يختار من يستحق فنيًا لا من يُطالب به جمهور غاضب أو مستاء.
إنها كرة القدم، وليست صندوق اقتراع ولا منبرًا سياسياً. ولو تم إخضاع التشكيلة لميزان العاطفة، لفقدنا جوهر اللعبة وموضوعيتها.



















