الرياضة وسرطان الثدي 

خولة زين الدين

 

30 دقيقة من الحياة ..

النحلة، تشبيه جيد لامرأة نشيطة كبشرى غندور. تستيقظ في وقتها المعتاد، السادسة صباحا دون منبه. تبدأ يومها بإعداد الطعام وترتيب شؤون البيت قبل أن ترتدي بذلتها الرياضية، وتشد زمام حذائها جيدا، وتنطلق لمعانقة صباح جديد، متوجهة نحو حديقة “الكارتيينغ” بمدينة آسفي. هناك حيث تمارس رياضة المشي بين رحاب زهور البر المتناثرة والأشجار السامقة.

الصباح بالنسبة لبشرى هو عقد حياة يتجدد كل يوم، خاصة بعد أن منيت بخسارات عديدة في حربها الشرسة ضد سرطان الثدي الذي اضطرها إلى استئصال ثديها. لذا فهي تسعى جاهدة لكي تظل محتفظة بلياقتها وصحتها.
تقول بشرى التي تدنو من عامها الخمسين، في تصريحها لهبة سبور : ” إنني أمارس الرياضة وأحتفظ بنشاطي، لكي أتخلص من الآثار الجانبية للعلاج الهرموني وأتجنب معاودة الإصابة بسرطان الثدي “.

كورونا ومعاناة أخرى

اكتشفت بشرى إصابتها بسرطان الثدي تزامنا مع انتشار فيروس كورونا، وهو ما صعب عليها القيام بالتمرينات الرياضية المطلوبة منها خلال فترة الحجر الصحي. وتذكر في هذا السياق: ” كنت ألف حول الطابق الذي أقيم به مستندة إلى ذراع زوجي من جانب وإلى درابزين السلم من ناحية أخرى. لم أكن قادرة على المشي لأكثر من 10 دقائق بين الجدران، إذ سرعان ما كانت قواي تخور وتضطرب بين جوانحي إرادتي”.

بعد استكمالها لفترة العلاج الكيماوي، أصبحت بشرى تتبع جدولا صارما، فتبدأ يومها بممارسة رياضة المشي لمدة 30 دقيقة يوميا، وتشارك كذلك في فعاليات مجتمعية، إذ تعتبر اليوم من بين النساء النشيطات بالجمعية المغربية لمحاربة السرطان بآسفي حيث  أبت أن تبقي الغلالة مسدلة على تجربتها وآثرت أن تشاركها مع نساء أخريات.

امراة من طراز خاص 

بشرى اليوم تختلف كثيرا عن تلك الإنسانة  التي انهارت ولزمت الفراش بعد معرفتها بالمرض، حيث لم تعد تشعر بالنقص لاستئصال ثديها، بل أصبحت أكثر إصرارا على خوض معركتها ضد سرطان الثدي متسلحة بالتغذية المتوازنة والمواظبة على رياضة المشي .

سرعان ما تحولت بشرى من امرأة عاجزة،  خائفة،  تستعر الحديث عن مرضها إلى امرأة قوية، ترفض أن تستسلم لهذا القاتل الخبيث، بمواظبتها على رياضة المشي التي مكنتها من استجماع ذاتها الهشة ،والانتفاض من شرنقة العزلة والوحدة بدخولها في علاقات ممتدة مع نساء يتقاسمن معها نفس المعان
تقول بشرى أن 30 دقيقة من المشي يوميا كانت كفيلة لتولد من جديد وتتجدد الثقة بنفسها، مستبدلة عبارة 30 دقيقة من المشي،  بعبارة 30 دقيقة من الحياة ..من الأمل ..ومن التفاؤل .

الرياضة وتحفيز الجهاز المناعي 

وفي هذا السياق قال الدكتور يوسف الخلطي، أخصائي في تشخيص الأورام وعلاج أمراض السرطان، في تصريحه لهبة سبور، إن التمرينات الرياضية تساعد على تحفيز الجهاز المناعي وتحسن من الحالة النفسية للمرضى، الأمر الذي يجعلهم أكثر قابلية للعلاج .

وصرح الدكتور الخلطي، أن ممارسة الرياضة تساعد في تخفيض نسبة الأندروجين المتحول إلى هرمون الاستروجين المشجع على نمو الأورام السرطانية عند النساء .
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن مزاولة نشاط رياضي معين يمكن المريض من التخلص من العوامل المسببة لمرض سرطان الثدي كالسمنة .

وأفاد الخلطي أن ممارسة الرياضة تقلص خطورة الإصابة بسرطان الثدي بنسبة تفوق 20 في المائة، كما تقلل من فرص معاودة الإصابة به  بنسبة 50 في المائة، إلى جانب التخلص من التعب والإرهاق المصاحب لفترة العلاج.

كفاح لا ينته

ولتحقيق كل هذه الفوائد الصحية، تسعى مريم الحاتمي هي الأخرى، انطلاقا من تجربتها الشخصية مع السرطان، وكرئيسة للجمعية المغربية لمحاربة السرطان بآسفي، إلى ترسيخ ثقافة رياضة المشي لدى النساء المصابات، وتوعيتهن بأهمية المواظبة على الأنشطة البدنية، من خلال تنظيم خرجات ومسابقات أسبوعية لفائدتهن، محاولة جعل الرياضة هدفا مستمرا لهن، وليس هدفا مؤقتا ينتهي بانتهاء العلاج.

وفي حديثها “لهبة سبور تقول مريم،  إن النشاط البدني حسن صحتها بشكل ملموس، بعد أن ذعنت لتوجيهات طبيبها الذي نصحها بممارسة الرياضة بانتظام حتى تتمكن من العودة إلى حياتها الطبيعية .

شكلت تجربة مريم  الشخصية في رحلتها مع السرطان، والتغيير الإيجابي الناجم عن ممارستها للرياضة دافعا لها للإصرار على المضي قدما في مشوار الدعم المعنوي لمريضات سرطان الثدي.

وتنصح مريم مختلف النساء المصابات بهذا المرض، بعدم ممارسة الأنشطة البدنية العنيفة والاكتفاء حسب تجربتها برياضة المشي، أو الزومبا، بالإضافة إلى جلسات اليوغا وتمارين الاسترخاء والتنفس، لتقليل التوتر والقلق أثناء مراحل العلاج .

الصحة النفسية والرياضة 

لا تقتصر منافع النشاط البدني على الصحة الجسدية فحسب، بل بحسب ما كشفته الدكتورة ،مديحة أنوار، أخصائية في الصحة النفسية، أن للرياضة تأثير مباشر على نفسية  المصابات بسرطان الثدي.

وبحسب تصريحها لهبة سبور”، فإن الرياضة تحفز الدماغ على إفراز هرمونات السعادة والمتعة، كما تقلل من فرص الإصابة بالاكتئاب الذي قد تعاني منه المرأة  بعد تشخصيها بالمرض، لما يمثله الثدي من رمزية في تكوين صورتها الجسدية وهويتها الجنسية.
كما أوضحت أن التمارين الرياضية متوسطة الشدة مثل رياضة المشي الخفيف أو السريع، ذات تأثيرات إيجابية على الصحة النفسية أكثر من التمرينات الرياضية العنيفة، خصوصا بالنسبة للنساء اللواتي لم يعتدن على ممارسة الرياضة من قبل.

إلى جانب سرطان الثدي، أثبتت دراسات مستفيضة أن ثلاثون دقيقة من المشي يوميا تفيد في الوقاية من الإصابة بكثير من الأمراض، كالقلب والشرايين والسكري. كما تعمل على الحفاظ على الوزن بشكل دائم على عكس برامج الحمية التي ينتهي مفعولها بانتهاء مدتها.

في المعركة ضد سرطان الثدي، هناك من اختارت الانزواء على ذاتها والاستسلام للمرض إلى أن وريت الثرى، وهناك من بذلت قصارى جهدها لتفوز عليه بخوضها ماراثون مدته 30 دقيقة يوميا …والآن لك أن تسالي نفسك في أي جانب تودي أن تكوني ..المنتصرات أم المنهزمات . .

زر الذهاب إلى الأعلى