انتدابات “غير رياضية” في سوق انتقالات اللاعبين

بقلم : د. سميرة العبدي

ترتبط أغلب مصاريف أندية كرة القدم بسوق اللاعبين سواء تعلق الأمر بتكلفة الانتقالات أو بكتلة الأجور. وتنقسم هذه السوق إلى قسمين: لاعبون ممتازون عددهم قليل جدا، أجورهم مرتفعة ومطلوبون بقوة، ولاعبون متوسطون أجورهم ضعيفة والمنافسة بينهم قوية جدا. تتعرض الفئة الثانية للإفلاس بعد سنوات معدودة من انتهاء مسارها الكروي بسبب تراجع مستوى الأجر أو انعدام الادخار أو سوء الاستثمار، بالإضافة طبعا إلى غياب نظام ناجع للضمان الاجتماعي وخطة لإعادة التوجيه المهني نحو التدريب أو التحكيم أو أي مهنة أخرى مرتبطة بكرة القدم. وبما أن كتلة الأجور تشكل العبء الأكبر على ميزانيات الأندية المغربية، وأن مسيري الأندية يضعون هاته “الكتلة” في قفص الاتهام لتبرير كل الإخفاقات المالية والإدارية والرياضية، أصبح لزاما طرح أسئلة تهم مستوى أجور اللاعبين وكيفية تحديدها.

لا شك أن مستوى الأجور في كرة القدم مرتفع جدا بالنسبة للقطاعات الأخرى، ولا شك أيضا أن سوق الانتقالات تخضع لمنطق العرض والطلب، فبينما يسعى اللاعبون للحصول على أعلى أجر ممكن تفاوض الأندية لتفوز بخدماتهم بأقل تكلفة، ويبقى على هذه الأخيرة اتخاد القرار المناسب واضعة في حسبانها عدد وقيمة الانتدابات التي تعتزم القيام بها. وإن كان “أجر التوازن le salaire d’équilibre -” يتحقق في نقطة التقاء العرض والطلب التي تسمح بتشغيل “تام” لكل الأجراء، فإن منطق المنافسة في كرة القدم يدفع بعض الأندية إلى رفع أجورها لاستقطاب أجود اللاعبين. من وجهة نظر “كينزية” )نسبة إلى العالم الاقتصادي جون كينز(لا يتأثر الأجر فقط بالمتغيرات النشطة لسوق الشغل بل يرتبط بالقوة الإنتاجية للأجير. في مجال كرة القدم أيضا هناك ارتباط وثيق بين النتائج الرياضية والأجور، حيث أثبتت دراسة للاقتصاديين كابر، سيمنسكي و درات أجريت بين سنتي 2000 و 2010 أن هناك علاقة بنسبة % 80 بين كتلة أجور النادي و مكانه في سبورة الترتيب. و قد خلصت الدراسة إلى أن الأجر المرتفع وسيلة قوية لتحفيز اللاعبين ومن ثم استقرار النتائج، و أكدت من جهة أخرى أن تخفيض الأجر يؤدي الى قلب ديناميكية الانتصارات. لكن هل هناك عوامل بعينها تؤخذ بعين الاعتبار في تحديد أجور اللاعبين.
في اقتصاد الشغل يتم تحديد الأجر عادة عن طريق معادلة مانسر وهي معادلة رياضية تربط الراتب في سوق الشغل بسنوات الدراسة والخبرة. أما في ميدان كرة القدم فمتغيرات المعادلة (Lucifora et Simmons 2003) تتعلق بتجربة اللاعب (السن) و عدد المقابلات الرسمية( و بمردوديته )عدد الأهداف أو التمريرات الحاسمة و مركز اللعب ( و بسمعته )لاعب محلي أو دولي ( بالإضافة إلى متغيرات أخرى تتعلق بالنادي الذي ينتمي إليه اللاعب)كالإقبال و المتابعة و نتائج المدرب السابقة.
In(salairei)= α0 + α1 EXPi + α2 PERFi+ α3 REPi + α4 TEAMQUALI + ƐI
بالإمعان في المعادلة، قد نستنتج ان انتداباتنا و أجور لاعبينا أبعد ما تكون عن الرياضيات، و قد ندرك السبب في عدم تحقيق النتائج المرجوة أو عدم استقرارها. لكن رغم ذلك لا يكفي تغيير اللاعبين أو رفع الأجور لنيل المنشود، لأن هناك عوامل أخرى تتدخل في الموضوع قد تتعلق بالتشكيلة أو استراتيجية اللعب مثلا أو بضعف بنية النادي بصفة عامة. و إن كان التحفيز المادي أساسيا فقد يعطي مفعولا عكسيا أحيانا، حيث أن اقتناع اللاعب بكونه سيأخذ أجره الأساسي دون الحاجة إلى بذل مجهود إضافي لرفع مردوديته يمكن أن يثنيه عن الاجتهاد، كما أن مراجعة العقد أو إعطاء امتيازات عينية) شقة أو سيارة مثلا (بعد أداء مبهر قد يعطي صفة “النجم” للاعب و يضعه تحت ضغط كبير قد يؤثر على مردوديته أو “يحرقه” بلغة اهل المستديرة.
من جهة أخرى هناك عوامل لامادية تساهم في تحقيق النتائج الإيجابية، فمشاعر الانتماء والامتنان محفزات قوية يتعين على الأندية الاشتغال عليها أيضا لاستخراج أفضل نسخة من لاعبيها.

زر الذهاب إلى الأعلى